أفضل 100 شخصية فى التاريخ


أفضل 100 شخصية فى التاريخ


بعد أن ذكرنا فى المقالين  السابقين عن أفضل الشخصيات التاريخية بالترتيب وتحدثنا عنهم مفصلاً، نأتى فى هذا المقال لنكمل على حسب التدرج عن شخصيتين بارزتين :



 بوذا (٥٦٣ق.م _ 483)



إسمه جواتاما بوذا . وإسمه الأصلى الأمير سيد هارتا . مؤسس الديانة البوذية إحدى الديانات الكبرى . أبوه كان حاكماً لإحدى المدن فى شمال الهند على حدود مملكة نيبال، تزوج فى السادسة عشرة من عمره إحدى قريباته وفى مثل سنه، وقد ولد فى الأبهة والفخامة، ولكنه كان فى غاية التعاسة، فقد لاحظ أن أكثر الناس فقراء، وأن الأغنياء أشقياء أيضاً، وأن الناس جميعاً ضحايا المرض والموت بعد ذلك.



وقد فكر بوذا كثيراً، واهتدى إلى أنه لابد أن يكون فى هذه الحياة العابرة شئ أبقى وأنقى من كل ذلك.

وعندما بلغ الحادية والعشرين من عمره وبعد ميلاد إبنه، قرر أن يهجر هذه الحياة وأن يتفرغ تماماً للتأمل فى أمر هذه الدنيا وأن يبحث عن الحقيقية، ترك كل شئ وتحول إلى متسول مفلس، ودرس على أيدى عدد من رجال الدين، وبعد أن أمضى بعض الوقت اكتشف أن الحلول التى يتقدمون بها لمشاكل هذه الحياة ليست كافية، وكان من المعتقد فى ذلك الوقت أن الحل الوحيد لمتاعب الدنيا هو الزهد فيها فزهد فى كل شئ، وأمضى سنوات لا يأكل إلا القليل ولا يشرب إلا القليل، ولكنه عاد فاكتشف أن تعذيب الجسد يملأ العقل ضباباً ويحجب عن النفس رؤية الحقيقة فعدل عن الزهد إلى حياته العادية يأكل ويشرب ويجلس إلى الناس.

وفى العزلة أمسك بخناق مشاكل الناس.


وفى إحدى الليالى بينما كان يجلس تحت شجرة تين، تساقطت عند قدميه هموم الدنيا كلها، وعرفها.  واهتدى إلى حلها، وأمضى بوذا الليل كاملاً يتأمل، فلما طلع عليه النهار أيقن تماماً أنه عرف الحقيقة، وأنه أصبح  "بوذياً"_ أى إنساناً مستنيراً .


أما التعاليم البوذية فيمكن إيجازها فى أنها تنطوى على الحقائق النبيلة الأربع الآتية :


أولاً : أن الحياة فى أعماقها تعيسة .


ثانياً : أن سبب هذه التعاسة أنانية الإنسان .


ثالثاً : أن أنانية الإنسان وشهواته يمكن القضاء عليها عندما يصل الإنسان إلى حالة "النيرفانا" أى انعدام كل شئ فى أعماقه .


رابعاً : أن الوسيلة إلى الهرب من الأنانية هى أن نسلك طريق الحقائق الثمانى وهى :


• النظرة الصحيحة • والفكرة الصحيحة

• والكلمة الصحيحة • والعمل الصحيح 

• والحياة الصحيحة • والجهد الصحيح

• والفهم الصحيح • والتأمل الصحيح .


والبوذية مفتوحة على كل الناس دون تفرقة من لون أو جنس، على عكس الديانة الهندوكية المتعصبة.


وبعد وفاة بوذا انتشرت الديانة البوذية على مهل، ففى القرن الثالث قبل الميلاد تحول الإمبراطور الهندى أشوكا إلى الديانة البوذية مما أدى إلى إنتشارها فى الدول المجاورة جنوباً فى سيلان وشرقاً فى بورما والملايو وأندونيسيا وشمالاً إلى أفغانستان، كما أنها دخلت الصين وأصبح لها أتباع كثيرون، ومن الصين انتقلت إلى كوريا واليابان.


وفى الهند نفسها انحسرت الديانة البوذية حتى سنة 500 ميلادية، ثم اختفت تماماً فى سنة 1200 . ولكن بقيت البوذية منتشرة فى الصين واليابان وظلت الدين الرسمى فى التبت ودول آسيوية أخرى كثيرة.


ولم تسجل تعاليم بوذا إلا بعد وفاته بوقت طويل، كما أن ديانته هذه قد انشقت بعضها على بعض.


ولا شك أن بوذا نفسه كواحد من مؤسسى الديانات الكبرى يستحق أن يتصدر هذه القائمة، لولا أن عدد البوذيين فى العالم لا يتجاوزون مائتى مليون، بينما عدد المسلمين 700 مليون، وعدد المسيحيين ألف مليون، ومعنى ذلك أن أثره كان أقل بكثير من الأثر الذى تركه محمد صلى الله عليه وسلم، والسيد المسيح عليه السلام.


أما لماذا انحسرت البوذية فى الهند، فسبب ذلك هو أن الديانة الهندوكية قد اشتملت على معظم مبادئ البوذية.


ولكن البوذية رغم ذلك تحتوى على قدر من السلام والدعوة إليه أكثر مما جاء فى الإسلام والمسيحية، ولا شك أن مبادئ السلام وترك العنف قد كان لها أعمق الأثر فى الحياة السياسية لكل الدول التى آمنت بالبوذية.


وقد قيل حقاً وبصدق، إنه لو عاد السيد المسيح إلى الحياة لفزع من هذه الجرائم التى ارتكبت بإسمه وبين المؤمنين به، فكم من الحروب الدموية قد نشبت بين الشعوب المسيحية فى أوروبا، وكذلك لو عاد بوذا إلى الحياة لوجد أن أشياء كثيرة قد قيلت على لسانه، وأن أساليب فى الحياة قد اتخذها أتباعه، لم يكن يستريح هو إليها.


ومن المؤكد أن أثر بوذا على أتباعه أكبر وأعمق مما تركت تعاليم المسيح على أتباعه.


وقد كان لكل من بوذا الهند وكونفوشيوس الصين أثر متقارب على أتباعهما، فكلاهما عاش فى وقت واحد، وليس هناك فارق كبير بين عدد أتباع الرجلين.


وقد اخترت بوذا قبل كونفوشيوس لسببين : 

أولهما : أن الشيوعية فى الصين تفوقت على الديانة الكونفوشية وبذلك تكون البوذية أكبر عدداً وأقوى أثراً.


ثانياً : أن الكونفوشية قد فشلت فى أن تترك أثراً خارج الصين، وهذا هو الفارق بين ديانة بوذا وديانة كونفوشيوس، فبوذا استطاع أن يذهب بتعاليمه إلى أبعد من حدود الهند.



كونفوشيوس  (551 ق.م _ 479 ق.م)






هو أول فيلسوف صينى يفلح فى إقامة مذهب يضمنه كل الأفكار الصينية عن السلوك الإجتماعى والأخلاقى، ففلسفته قائمة على القيم الأخلاقية الشخصية وعلى أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمثل أخلاقى أعلى، وقد ظلت هذه الأفكار تتحكم فى سلوك الناس أكثر من ألف سنة.


ولد كونفوشيوس سنة 551 فى ولاية لو فى شمال الصين، مات أبوه وهو طفل، فعاش مع أمه فى فقر شديد، وعندما كبر عمل موظفاً فى الحكومة، ثم اعتزل العمل الحكومى وبعدها أمضى ستة عشر عاماً من عمره يعظ الناس متنقلاً من مدينة إلى مدينة، وقد التف حوله عدد كبير من الناس، ولما بلغ الخمسين عاد إلى العمل فى الحكومة، ولكن استطاع بعض الحاقدين عليه أن يطردوه من الحكومة، فترك لهم البلاد كلها، وأمضى بعد ذلك ثلاثة عشر عاماً مبشراً متجولاً، وثم عاد ليقيم فى بلدته خمس سنوات، هى التى بقيت له من العمر، وقد توفى سنة 479 ق.م .


وكثيراً ما وصف كونفوشيوس بأنه أحد مؤسسى الديانات الكبرى، وهذا تعبير غير دقيق فمذهبه ليس ديناً، فهو لا يتحدث عن الله أو السماوات، وإنما مذهبه هو طريقة فى الحياة الخاصة والسلوك الإجتماعى والسياسى، ومذهبه يقوم على الحب، حب الناس وحسن معاملتهم والرقة فى الحديث والأدب فى الخطاب، ونظافة اليد واللسان.


ويقوم مذهبه على احترام الأكبر سناً والأكبر مقاماً، وعلى تقديس الأسرة وعلى طاعة الصغير للكبير وطاعة المرأة لزوجها، ولكنه فى نفس الوقت يكره الطغيان والإستبداد.


وهو يؤمن بأن الحكومة إنما أنشئت لخدمة الشعب وليس العكس، وأن الحاكم يجب أن تكون عنده قيم أخلاقية ومثل عليا، ومن الحكم التى اتخذها كونفوشيوس قاعدة لسلوكه تلك الحكمة القديمة التى تقول " أحب لغيرك ما تحبه لنفسك " .


وكان كونفوشيوس محافظاً فى نظرته إلى الحياة فهو يرى أن العصر الذهبى للإنسانية كان وراءها _ أى كان فى الماضى.


وهو لذلك كان يحن إلى الماضى ويدعو الناس إلى الحياة فيه، ولكن الحكام على زمانه لم يكونوا من رأيه ولذلك لقى بعض المعارضة، وقد اشتدت هذه المعارضة بعد وفاته ببضع مئات من السنين، عندما ولى الصين ملوك أحرقوا كتبه وحرموا تعاليمه، ورأوا فيها نكسة مستمرة، لأن الشعوب يجب أن تنظر أمامها بينما هو يدعو الناس إلى النظر إلى الوراء، ولكن ما لبثت تعاليم كونفوشيوس أن عادت أقوى مما كانت وانتشر تلاميذه وكهنته فى كل مكان، واستمرت فلسفة كونفوشيوس تتحكم فى الحياة الصينية قرابة عشرين قرناً، أى من القرن الأول قبل الميلاد حتى نهاية القرن التاسع عشر بعد الميلاد.


أما إيمان أهل الصين بفلسفة كونفوشيوس فيعود إلى سببين : أولا أنه كان صادقاً مخلصاً، لا شك فى ذلك.

ثانياً أنه شخص معقول ومعتدل وعملى، وهذا يتفق تماماً مع المزاج الصينى، بل هذا هو السبب الأكبر فى انتشار فلسفته فى الصين، وهو بذلك كان قريباً منهم، فلم يطلب إليهم أن يغيروا حياتهم أو يثوروا عليها، وإنما هو أكد لهم كل ما يؤمنون به فوجدوا أنفسهم فى تعاليمه، ولذلك ظلت فلسفة كونفوشيوس صينية، ولم تتجاوزها إلا إلى اليابان وكوريا.


ولكن هذه الفلسفة قد انحسرت تماماً عن الصين، بعد أن تحولت إلى الشيوعية واتجهت الصين إلى المستقبل وانتزعت نفسها من هذه الديانة وذلك بالبعد عن الماضى ومسالمة الناس فى الداخل والخارج . صحيح أن فلسفة كونفوشيوس الصين سلاماً وأمناً داخلياً أكثر من عشرين قرناً هى التى حققت.


ولكن نحن لا نستبعد بعد خمسين أو مائة سنة أن يظهر فيلسوف صينى جديد يقوم بالتوفيق التام بين تعاليم كونفوشيوس وماوتسى تونج وكلاهما صينى مائة فى المائة ! 


تم النشر بواسطة : هدى حسين


تعليقات