ديوان الخنساء - قصيدةيؤرقني التذكر حين أمسي


ديوان الخَنْسَاءُ - قصيدة يؤرقني التذكُّرُ حين أُمسي




مولد الخنساء _ ديوان الخنساء  


هي تُماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السلمي، واحدة من أبرز شاعرات العرب منذ العصر الجاهلي وحتي الساعة.


 وقد حاول الكثيرون من الباحثين المعاصرين تحديد يوم مولدها، فمنهم من رأي لها يوم ولادة ارتاح له، ومنهم من آثر نهج الأقدمين بالتقدير، تحرجاً من اتخاذ رأي تعوزه الأدلة، ومنهم من توسط بين الإتجاهين، فرضي بتاريخ لمولدها عاماً. فالمستشرق جبرييلي جعل تاريخ الولادة سنة 575م وتبعه من العرب الأب لويس شيخو اليسوعي، والأستاذ إفرام البستاني، أما المستشرق غرنباوم يقرر أنها عاشت في النصف الأول من القرن السابع الميلادي.


أما بنت الشاطئ فقد تبعت خطى القدماء، ولم تتكلّف البحث عن يوم مولدها .. وهكذا نرى أنفسنا في تيه إذا حاولنا أن نحدد يوماً لميلاد تُماضر أو حتي عام.


ولدت الخنساء وانتقلت من طفولتها إلي صباها فشبابها و لا شئ يثير الإنتباه، أو يلفت النظر فيها، غير ما كانت تمتاز به من جمال، وما كانت تحسّه من أبويها و أخويها من عطف ومحبة، جعلها تحس بنفسها، حتي يصل بها الإحساس إلي درجة الإعتداد بنفسها، أو قل إلي مرتبة الكبرياء والأنفة… ولم يكن ذلك غريباً علي واحدة نشأت في مثل هذه الظروف.

أب شريف، وأخوان سيدان يتباهى بهما الأب ويفاخر العرب، ولا يجرؤ أحد علي نقض ما يقال … وهل لفتاة أن تفاخر بغير جمالها وبيتها.

وإذا هما اجتمعا لواحدة، فقد اجتمعت لها كل أسباب العزّة وملكت كل عوامل الفخار، وقد كان لهذا كل الأثر في حياة الخنساء وفي تكوين شخصيتها.

وقد بدا ذلك عندما تقدم لخطبتها دريد بن الصّمّة سيّد بني جشم، الذي عرفت العرب فروسيته، ولكنها رفضت الزواج منه، وكم شابة كانت تتمني أن تكون لدريد زوجاً .. بيد أنها الخنساء.

لقد عرف فيها أهلها أنها راجحُ عقلها، وذات فكر متزن، فأبوا إلا أن يكون زواجها بعد موافقتها، ولم يكن ذلك حقاً لكل ابنة، وإنما هو خصيصة تمنح لمثيلات الخنساء.


بيئة الخَنْسَاءُ _ ديوان الخَنْسَاءُ

تتّضح شخصية الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها، ولا سيّما أولئك الذين طواهم التاريخ، ولم نستطع أن نعرف عنهم إلا مظاهر بدت في سلوكهم أو أفعالهم أو أقوالهم، والخنساء واحدة من هؤلاء، فقد تبيّن كيف أنها ولدت وعاشت، ولا أحد يعرف عنها، ولا يذكر من أوصافها شيئاً إلا حين تعرض لها دريد بن الصّمّة طالباً الزواج بها، وعندها فقط الافتتاح إلي أنها جميلة أسر جمالها فارساً طالما أسر الفرسان.

هذا وأن البيئة ليست قاصرة على ذلك البيت الذي عاشت فيه، وأغلقت أبوابه دونها، ولذا فليس لنا بد من أن نستعرض من البيئة بمدلولها الفسيح التي نشأت فيها الخنساء لنتمكن من رسم صورة لها ترضي الحقيقة.


حياة الخَنْسَاءُ _ ديوان الخَنْسَاءُ

نستطيع مما كل ما ذكر عن حياتها أن نلمح صورة الخنساء بالقدر الذي يمكننا من أن نصفها بأنها كانت ذات حسب و جاه وشرف، وأنها كانت ذات جمال أخّاذ وتقاسيم متناسقة، لذا شبهوها بالبقرة الوحشية، وأنها بلغت مبلغاً من الأسر ما لم تبلغه فتاة، وأنها ذات جاذبية طاغية، أطلقت الألسن فواجهتها بحقيقتها وصارحتها بفتنتها، فعرفت ما تملك في يدها من سلاح كما عرفت قيمة ذلك السلاح.

كانت الخنساء عاقلة حازمة، حتي أنها قد عدت من شهيرات النساء، ومثل هذه يخشاها المتغزّلون، فلا يجرؤ أحدٌ على التهجم عليها أو التحدث عنها إلا لقي ما يسوؤه، لذا لم يتكلم عليها أحد، ولم يتفوّه شاعر بشئ يمكن أن ينقل وتحمله الألسن.  حتي كان يوم أناخ فيه بنو جشم رواحلهم، طلباً للراحة من عناء سفر طويل إلي مكة، وكان منزلهم في بادية الحجاز قريباً من منازل بني سليم، وتسوق الأقدار سيد بني جشم دريداً فينطلق على فرسه في رياضة قصيرة فلفت نظره مشهد فتاة تهتأ بعيراً لها، وقد تبذلت حتي فرغت منه، نفضت عنها ثيابها واغتسلت وهي لا تشعر به. وتمضي الحادثة ليسأل عنها فيعرف أنها تماضر بنت عمرو شقيقة صديقه الحميم معاوية. فيخطبها فترفض كل الوساطات في ذلك ولم تقبل بالزواج به. فنخلص إذاً إلى أنه لا شك في أن الخنساء مرت قبل دريد بتجربة زواج، ففرضت على أبيها ألا يقطع برأي إلا بعد أن يستشيرها ودفعت منها، فلم تتحرج حين نضت ثيابها، ولا خجلت من أبيها حين كلّمها في الزواج ولا استحيت أن تبدي رأيها فيه.


الخَنْسَاءُ زوجة _ ديوان الخَنْسَاءُ

رأينا الخنساء متأثرة بمرارة الفشل في زواجها السابق ترفض الزواج من غير بني العم فترفض سيد آل بدر ثم ترفض سيد بني جشم، وأبوها في الحالتين حان مشفق لا يحاول أن يضغط عليها حتي لا يجمع إلى أزمتها التي تعيشها أزمة أخرى، وقد يكون موقفه ذلك ترضيةً لروح زوجه التي رحلت أم الخنساء.


ومن الروايات التي تحدثت عن زواج الخنساء الكثير. وقد ذكر لنا أكثر من ثلاثة أزواج، وهم الرواحي وعبد العزى ومرداساً، وقد اختلفوا _ أي الرواة _ في ترتيب أزواجها، أيهم الأول. والمحقق من الأخبار ما نقلته بنت الشاطئ أن صاحب هذه الأسماء المختلفة هو شخص واحد هو الرواحي السلمي عبد العزى بن عبد الله بن رواحة.


الخَنْسَاءُ أماً _ ديوان الخَنْسَاءُ

لم تكن الخنساء الأم بأوضح كثيراً مما كانت عليه وهي طفلة وشابة وزوجة وأختاً.

يبدأ الغموض في هذا الجانب من حياة الخنساء بحصر بنيها من مرداس بن عامر السلمي، فهم ولدان وبنت أو ثلاثة وبنت أو أربعة وبنت.

ويؤيد القول بأن الأربعة أبناء الخنساء من مرداس: ما روي من أنها حضرت القادسية ومعها بنوها الأربعة.

وإذا حاولنا أن نتعرف على الأبناء من أمهم، فشلنا، إذ لم يصلنا من أخبار الرواة عنهم حديث تطمئن إليه إلا حينما صفرت يداها من الأب والزوج والأخ.

وأحداث ثلاثة تمر بابني الخنساء الأكبرين، فما اختلجت فيها خالجة ولا رويت عنها كلمة تشير إلى أنها اهتمت لذلك، ويبدو أنها حتى ذلك الحين لم تفق من صدماتها المتواليات في أسرتها، فهي في شغل عن كل ما حولها من أحداث وهذا _على غرابته من أم إزاء أبنائها_ ربما كان بسبب إنهيار أصاب منها صلابتها ومضاء عزيمتها على توالي الأحداث.

تراها في ذلك الحين فجأة تتوسط بنيها الأربعة تحرضهم على الحرب، وتمسح عن نفوسهم الخوف والقلق على مصيرها هي بعدهم، فهي في الإسلام لن تضاع إذا فقدت العائل المعين.

وما زالوا في الحرب حتي استشهدوا جميعاً.

وبلغها الخبر مع الجيش العائد محملاً بالظفر، فقالت: الحمدلله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. قالتها ولم تزد عليها شيئاً.


إقتباس من ديوان الخَنْسَاءُ : 

يؤرقني التذكُّرُ حين أُمسي

يُؤرٍقني التذكُّرُ حينَ أُمسي

               فأُصبحُ قَد بُليتُ بِفرطِ نُكسِ

على صخرٍ وأيُّ فتىً كصخرٍ

                 ليومِ كريهةٍ وطِعانِ حِلسِ

وللخصمِ الألدُّ إذا تعدَّي 

                 ليأخذ حقَّ مظلومٍ بِقِنسِ 

فلم أرَ مثلهُ رُزْءً لجِنِّ

                  ولم أرَ مثلهُ رُزءً لإِنسِ

أشدَّ علي صُروفِ الدهرِ أيداً

               وأفصلَ في الخطُوبِ بغيرِ لَبسِ

وضيفٍ طارقٍ أو مستجيرٍ

                  يُروَّعُ قلبُهُ من كلِ جَرسِ

فأكرمهُ وآمنهُ فأَمسى

                  خليَّاً بالُهُ من كلِ بُؤسِ

يُذكرنِي طُلوعِ الشمسِ صَخراً

                 وأذكُرُهُ لكُلِّ غروبِ شمسِ

ولولا كثَرةُ الباكينَ حولي

                 على إخوانهِم لقتلتُ نفسي

ولكن لا أزالُ أرى عَجولاً

                 وباكيةً تَنوحُ ليومِ نَحسِ

أراهَا والِهاً تبكي أخاها

                 عشِيّةِ رُزئِهِ أو غِبَّ أمسِ

وما يبكُونَ مثل أخِي ولكن

                 أُعزِي التفسَ عنهُ بالتأَسِّي

فلاَ واللهِ لا أنساكَ حتَّى

                أُفارقَ مُهجتِي ويُشقُّ رَمسي

فقَد ودَّعتُ يومَ فراقِ صخرٍ

                 أبي حسّانَ لذّاتي وأُنسي

فيَا لهَفِي عليهِ ولهَفَ أمّي

              أيُصبحُ في الضَريح وفيهِ يُمسي

__________

فيديو قرائة للقصيدة بصوت :: هدى حسين 




تم النشر بواسطة : هدى حسين



تعليقات