رواية العمى


رواية العمى

بعد العزوف عن القراءة لمدة طويلة كان من أسبابها بداية تفشي وباء كورونا وعدم الرغبة في الإطلاع علي شئ إلا من أخبار هذا المرض المستجد، لتقع عيناي بمحض الصدفة علي رواية تجسّد في بعض من قضاياها ما نعيشه علي أرض الواقع، لم أقرأ للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو من قبل لأكتشف أسلوب روائي فريد ومتكامل في رواية "العمي"، إفتتح الكاتب هذه القصة بتشويق عندما أصيب شخصا منتظراً اللون الأخضر عند إشارة المرور بالعمي بدون سابق إنذار ، لينتشر هذا الوباء في كل أنحاء البلدة المجهولة ،إستقصد الكاتب أن لا يعطي مكانا محددا حدثت فيه هذه القصة وينقل إلينا طابعا علي أن النفس البشرية معقدة وواحدة ، لا تختلف بمكنونها بإختلاف الأرض والعرق والدين عندما تواجه عدو مجهول الهوية، يتفشي بين الناس بشكل يثير الرعب في النفوس، ركز كاتبنا البرتغالي علي أشخاص جمعتهم الصدفة في الحجر الصحي الذي إنقلب إلي ساحة معركة للبقاء علي قيد الحياة والذي فرض عليهم من قبل الدولة عند بداية هذا الوباء، لتظهر جليا الغريزة الإنسانية في رغبة البقاء بين ثنايا الأحداث ،ولا يهم علي حساب من، بل شعرت في بعض السطور بتناقض الرغبة في الموت والإستماتة علي من يفوز بفتات طعام تؤجل مغادرة روحه من جسده ولو بعد حين…



رواية العمى 2021


إذا كنت تستطيع أن ترى ، فانظر

           إذا كنت تستطيع أن تنظر ، فراقب 


قبل الغوص في أحداث الرواية ليستهل البداية بهذه الكلمات، ف ماذا كان يريد منا أن نراقب يا تُرى؟ ولكن لم يدُم التساؤل كثيرا لدي ، لأن الكاتب جعلني أترقب إلي النهاية ، كيف بفقد نعمة واحدة فقط من بين الكثير من النعم التي منَّها الله علينا أن تجعل الإنسان يعيش بما شبهتُه بالحياة البدائية والتي تندرج بمرتبة العيش بغريزة الحيوان، فقدان البصر! فقدان الحرية والكرامة والخير ولا قيمة للوقت! التجرّد من الأقنعة والخروج عن المبادئ ، فضلا عن كل هذا فالأهم هنا عن كيف ترى نفسك في أعماقك؟ هذا إذا كان بإستطاعتك رؤيتها بالأساس!

   

هل سمعتم يوما بالعمي الأبيض!! أي أنك لن ترى إلا اللون الأبيض طوال الوقت حتي في نومك، لن تستطيع التلذذ حتي بتلك الآلوان الباهتة التي تزور أحلامك في الظلمة، ولا خيالك في اليقظة..


لكل من قرأ الرواية بالتأكيد لم يخلو عقله بالرغبة والفضول في معرفة شخصية زوجة الطبيب كما يطلق عليها الكاتب في سرده، والتي لماذا عن غيرها لم تصاب بالعمي؟ ليتبين لنا أنها صورة الخير بحذافيرها والحياة لا تخلو من النفوس الصادقة التي ليس بإستطاعة مخلوق أن يُعديها بقذارة أكبر وباء معنوي تمثله نفوس الضعفاء، كانت رمزاً عذباً لمادة عظيمة تُدرّس إسمها التضحية، ما جعل إنجذابي لهذه الشخصية يتضاعف هو الشعور الجلي بالمسؤولية، وبعيدآ عن خطورة أنه كان من المحتمل أن يُكشف سرها وتصبح خادمة للجميع، إلا أنها تحاول أن تصحح الأمور ،تساعد، تحاول التغيير وتطمح العدالة ولو بالشئ القليل، وكم من المؤلم أن تكون شاهداً علي أفعال عالمٍ أعمي!


والصورة النهائية ما كان داخل الكنيسة هي خلاصة ما تشكلت به جميع الصور التي غطيت عيناها بلصاقات بيض ما عدا المرأة التي كانت تحمل عينيها المقلوعتين علي طبق من فضة.. 


إقتباسات رواية العمى: 


أخرج الطبيب ملف الرجل الذي عمي فجأة، قرأه مرةً و إثنتين، فكّر ملياً لبعض الوقت، وتلفن أخيراً لزميل، وجرى بينهما الحديث التالي، يجب أن أخبرك أني واجهت اليوم حالة هي الأغرب من نوعها في طب العيون. رجل فقد بصره كليا في غمضة عين، ولم يكشف الفحص الطبي عن أي آفة واضحة أو دلائل تشوّه خلقي، يقول إنه يرى كل شئ أبيض، بياضاً كثيفاً، حليبياً، يغشو عينيه!

--------


إن الضمير الأخلاقي الذي يهاجمه الكثير من الحمقى وينكره آخرون كثر أيضا ، هو موجود وطالما كان موجودة ، ولم يكن من اختراع فلاسفة الدهر الرابع ، حيث لم تكن الروح أكثر من فرضية مشوشة . فمع مرور الزمن ، والارتقاء الاجتماعي أيضا والتبادل الجيني ، انتهينا إلى تلوين ضمیرنا بحمرة الدم وملوحة الدمع ، وكأن ذلك لم يكن كافية فحولنا أعيننا إلى مرايا داخلية ، والنتيجة أنها غالبا تظهر من دون أن تعكس ما كنا نحاول إنكاره لفظية.

--------

إنّ العمى -بلا شكّ- بلوة مرعبة، وقد تبقى محتملة نسبيًّا إذا ما احتفظ الضحيّة التَّعِس بذاكرة جيّدة.

--------

إذا كنّا غير قادرين على العيش مثل الكائنات البشريّة فدعونا -على الأقلّ- نفعل كلّ ما بوسعنا لئلّا نعيش كالحيوانات تمامًا.

--------

لو أنّنا نُمعنُ التّفكيرَ -قبل الشّروع بأيّ فعل- بالنّتائج المترتّبة على هذا الفعل فلن نخطو أبدًا أبعدَ من النّقطة التي تتوقّف عندها محاكمتنا الأولى؛ فالخير والشّرُّ المتأتّيان عن كلماتنا وأفعالنا متكافئان.

--------

إنّ العمى لا يعني الغوص في ظلام عادي، بل العيش داخل هالةٍ مُضيئة.

--------

إنّ العمى هو أيضًا أن يعيش المرء في عالمٍ تبدّدت فيه الآمال كلّها.

--------

الأكثر رعباً من العمى ، هو أن تكون الوحيد الذي يرى.

إن الصور ترى بأعين من ينظرون إليها.

--------


الانشغال الوجداني يظهر سطحية تلك الافكار الجاهزة لدى من ينكرون امكانية وجود المشاعر العميقة

--------

يجب ان نكون قد تعلمنا مرة واحدة و الى الابد ان القدر سيتقلب كثير قبل ان يصل اي مكان

--------

ماذا تعني الدموع عندما يفقد العالم كل المعاني

--------

ان اصحاب القلوب القاسية لهم احزانهم ايضاً

---------

ان الخطا و الصواب ببساطة طريقتان مختلفتان في فهم علاقاتنا بالاخرين .. لا تلك العلاقات التي نقيمها مع انفسنا فهذه يجب ان لا نثق بها

---------

اننا نهاب جداً فكرة موتنا ولهذا نحاول دائما ايجاد الاعذار للموتى وكاننا نطلب مسبقا ان نُعذر عندما يحين دورنا

---------

الرجال جميعهم متشابهون يعتقدون انهم يعرفون كل شيء عن النساء لمجرد انهم خرجوا من رحم امرأة

---------

الزمن هو الذي يحكم .. الزمن هو المقامر الآخر قبالتنا على الجانب الآخر من الطاولة وفي يده كل اوراق اللعب و علينا نحن ان نحزر الاوراق الرابحة في هذه الحياة.

--------

مهما تكن سلطة الشخص المسؤول وعلى  نحو لا يمكن انكاره، هشة، مقلقة، وتحتاج للمساءلة في كل لحظة فهي ضرورية جداً في ظرف كهذا ويجب ان تمارس بكل وضوح لصالح الجميع وعلى الاغلبية الاعتراف بها.












جوزيه ساراماغو

روائي برتغالي وكاتب أدبي ومسرحي وصحفي حائز على جائزة نوبل للأدب، مؤلفاته التي يمكن اعتبار بعضها أمثولات، تستعرض عادة أحداثاً تاريخية من وجهة نظر مختلفة تركز على العنصر الإنساني.

من أشهر الكتب رواية الكهف، مسيرة الفيل، إنقطاعات الموت، كل الأسماء، كتاب الرسم والخط بالإضافة إلي الرواية العظيمة العمى، هارولد بلوم وصف ساراماغو بأنه " أعظم الروائيين الموجودين على قيد الحياة" وأعتبره " أشاد جميس وود " باللهجة الفريدة في أعماله حيث أنه يروي رواياته كما لو أنه شخص حكيم وجاهل في الوقت نفسه"


تم النشر بواسطة : هدى حسين





 


تعليقات